هو أبو الفرج جورجيس بن يوحنا بن سهل بن
ابراهيم من النصارى اليعاقبة من سكان يبرود ،كان فاضلا في صناعة الطب عالما
باصولها وفروعها معدودا من جملة الأكابر من أهلها والمقرنين من أربابها ،
دائم الاشتغال ، محبا للعلم ،مؤثرا للفضيلة ، كان لا يمل الاشتغال ولا يسأم
منه وسائر اوقاته لا يوجد معه إلا كتابا ينظر فيه ، هكذا وصفه أبناء عصره
حينذاك .
ولد ابو الفرج في بلدة يبرود ونشأ فيها وكان معظم سكانها من النصارى ، وكان أبو الفرج كسائر أهل يبرود يعمل بالفلاحة والزراعة وأعمال الفلاحين ، وكان أيضا يجمع الشيح الذي يستخدم وقودا في الافران من جبال يبرود ومن نواحي دمشق القريبة ويحمله على دابة ويأتي بها الى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه في الأفران وغيرها ، وأنه كان في بعض المرات وقد عبر من باب توما بدمشق ومعه حمل شيح رأى شيخا من المتطبيبن ويدعى ابا الخير ولم يكن من المهرة ، فكان من أمره أن فصد شابا فوقعت الفصدة في الشريان فتحير ابو الخير وتبلد وطلب قطع الدم فلم يقدر على ذلك فاجتمع الناس إليه ، فتدخل ابو الفرج وقال للمتطبب يا عماه افصده في اليد الاخرى فاستراح الى كلامه وفصده من يده الاخرى ، فقال له ابو الفرج : شد العضد فشده ووضع لازوقا كان عنده عليه وشده فوقف جريان الدم ثم مسك الفصدة الاخرى فوقف الدم وانقطع النزف ، نظر المتطبب الى الشاب الذي نصحه فوجده يسوق دابة وعليها حمل شيح فتشبث به وقال من أين لك ما أمرتني به ؟ فقال ابو الفرج : أنا ارى أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحيث لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحا آخر ينقص له الماء الأول الواصل الى ذلك الشق ثم يسده بعد ذلك ،،،
وإن ذلك المتطبب لما رأى من اليبرودي أنه أصاب في ما نصحه به تشبث به وقال له : لو أنك تمتنع عن بيع الشيح وتشتغل بصناعة الطب لجاء منك طبيبا جيدا ، فمال اليبرودي الى ذلك وتاقت نفسه الى العلم وبقي يتردد الى الشيخ المتطبب في أوقات فراغه والشيخ يعرفه ويريه أشياء من المداواة ، وبعدها ترك أبو الفرج يبرود وأقام في دمشق يتعلم صناعة الطب وصارت له معرفة بالقوانين العلمية ومداواة المرضى ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها وعلاماتها وتفنن معالجاتها ، وسأل عمن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب فذكروا له أن ببغداد طبيبا لامعا هو رأس اطباء العراق آنذاك يدعى ( ابا الفرج ابن الطيب ) وأنه فيلسوف متفنن وله خبرة وفضل في صناعة الطب وفي غيرها من الصنائع الحكمية .
هنا تاقت نفس اليبرودي لطلب العلم و تأهب للسفر الى بغداد فأعطته أمه سوارا ذهبا كانت لا تملك غيره لنفقته في السفر وتوجه الى بغداد وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده ويواظب على التردد على الطبيب البغدادي ابن الطيب الى أن مهر في صناعة الطب وصارت له مباحثات جيدة ودراية فاضلة في هذه الصناعة واشتغل أيضا في علوم المنطق ، ثم عاد الى دمشق وأقام بها يطبب المرضى حتى صارت له سمعة وشهرة واسعة في المدينة .
وكان لليبرودي مراسلات كثيرة الى الطبيب المشهور ( ابن رضوان )بمصر وغيره من الأطباء المصريين ، وله مسائل عدة اليهم ومباحثات دقيقة ، وكتب بخط يده شيئا كثيرا جدا من كتب الطب ولا سيما من كتب جالينوس وشروحها وجوامعها ، ولكن للأسف الشديد ضاعت أغلب مؤلفاته ، وقد وقعت في السنوات الاخيرة مخطوطة بخط يد ابي الفرج اليبرودي عند الدكتور توفيق الحاج يحي فقام بتنقيحها مشكورا وتنتظر من يطبعها وينشرها وقد اهداني الدكتور توفيق مشكورا نسخة منها اغنت مكتبتي المتواضعة .
توفي ابو الفرج اليبرودي في دمشق عام 1025 ميلادية ودفن في مقبرة كنيسة اليعافبة فيها رحمه الله .
المصدر: نورالدين عقيل
ولد ابو الفرج في بلدة يبرود ونشأ فيها وكان معظم سكانها من النصارى ، وكان أبو الفرج كسائر أهل يبرود يعمل بالفلاحة والزراعة وأعمال الفلاحين ، وكان أيضا يجمع الشيح الذي يستخدم وقودا في الافران من جبال يبرود ومن نواحي دمشق القريبة ويحمله على دابة ويأتي بها الى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه في الأفران وغيرها ، وأنه كان في بعض المرات وقد عبر من باب توما بدمشق ومعه حمل شيح رأى شيخا من المتطبيبن ويدعى ابا الخير ولم يكن من المهرة ، فكان من أمره أن فصد شابا فوقعت الفصدة في الشريان فتحير ابو الخير وتبلد وطلب قطع الدم فلم يقدر على ذلك فاجتمع الناس إليه ، فتدخل ابو الفرج وقال للمتطبب يا عماه افصده في اليد الاخرى فاستراح الى كلامه وفصده من يده الاخرى ، فقال له ابو الفرج : شد العضد فشده ووضع لازوقا كان عنده عليه وشده فوقف جريان الدم ثم مسك الفصدة الاخرى فوقف الدم وانقطع النزف ، نظر المتطبب الى الشاب الذي نصحه فوجده يسوق دابة وعليها حمل شيح فتشبث به وقال من أين لك ما أمرتني به ؟ فقال ابو الفرج : أنا ارى أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحيث لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحا آخر ينقص له الماء الأول الواصل الى ذلك الشق ثم يسده بعد ذلك ،،،
وإن ذلك المتطبب لما رأى من اليبرودي أنه أصاب في ما نصحه به تشبث به وقال له : لو أنك تمتنع عن بيع الشيح وتشتغل بصناعة الطب لجاء منك طبيبا جيدا ، فمال اليبرودي الى ذلك وتاقت نفسه الى العلم وبقي يتردد الى الشيخ المتطبب في أوقات فراغه والشيخ يعرفه ويريه أشياء من المداواة ، وبعدها ترك أبو الفرج يبرود وأقام في دمشق يتعلم صناعة الطب وصارت له معرفة بالقوانين العلمية ومداواة المرضى ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها وعلاماتها وتفنن معالجاتها ، وسأل عمن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب فذكروا له أن ببغداد طبيبا لامعا هو رأس اطباء العراق آنذاك يدعى ( ابا الفرج ابن الطيب ) وأنه فيلسوف متفنن وله خبرة وفضل في صناعة الطب وفي غيرها من الصنائع الحكمية .
هنا تاقت نفس اليبرودي لطلب العلم و تأهب للسفر الى بغداد فأعطته أمه سوارا ذهبا كانت لا تملك غيره لنفقته في السفر وتوجه الى بغداد وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده ويواظب على التردد على الطبيب البغدادي ابن الطيب الى أن مهر في صناعة الطب وصارت له مباحثات جيدة ودراية فاضلة في هذه الصناعة واشتغل أيضا في علوم المنطق ، ثم عاد الى دمشق وأقام بها يطبب المرضى حتى صارت له سمعة وشهرة واسعة في المدينة .
وكان لليبرودي مراسلات كثيرة الى الطبيب المشهور ( ابن رضوان )بمصر وغيره من الأطباء المصريين ، وله مسائل عدة اليهم ومباحثات دقيقة ، وكتب بخط يده شيئا كثيرا جدا من كتب الطب ولا سيما من كتب جالينوس وشروحها وجوامعها ، ولكن للأسف الشديد ضاعت أغلب مؤلفاته ، وقد وقعت في السنوات الاخيرة مخطوطة بخط يد ابي الفرج اليبرودي عند الدكتور توفيق الحاج يحي فقام بتنقيحها مشكورا وتنتظر من يطبعها وينشرها وقد اهداني الدكتور توفيق مشكورا نسخة منها اغنت مكتبتي المتواضعة .
توفي ابو الفرج اليبرودي في دمشق عام 1025 ميلادية ودفن في مقبرة كنيسة اليعافبة فيها رحمه الله .
المصدر: نورالدين عقيل